وسط صمت رسمي مطبق لازالت عدد من العائلات تنتظر أن يلفظ البحر جثث أبنائها بعد أن تسببت حمى “الحريك” التي عادت بقوة، في فاجعة جديدة، ضحاياها هذه المرة حوالي51 شابا وشابة من العطاوية.
قبل هؤلاء مات مئات آخرون على امتداد سواحلنا التي تحولت إلى مقبرة مفتوحة، وجائعة، ومستعدة لبلع آلاف الشبان ممن ضاقت بهم السبل، ليقرروا الانطلاق في مغامرة حصدت أرواح المئات من أبناء هذا الوطن، بعضهم للأسف لم يعثر على جثثه إلى الآن، أو دفن في قبر مجهول ومنسي.
عودة قوارب الموت للعمل وبنشاط في هذا الزمن الرديء، ليس عبثيا، فلجوء هذا العدد المتنامي من المغاربة للمقامرة بأرواحهم له تفسير واحد.
هو ذات التفسير الذي ينطبق على آلاف آخرين ممن وجدوا باب آمنا، وقانونيا، للرحيل والهجرة.
طبيعي أن يحدث كل هذا ما دمنا في بلد لا يؤمن بالتغيير الذي ينطلق من الاستثمار في الإنسان، حتى نضمن له الحد من الأدنى من الكرامة وسبل العيش، وهما الشعاران اللذان يتسلح بهما كل من يركب البحر في رحلة قد تنتهي به طعاما للسمك، أو جثة عالقة في شباك الصيادين.
العودة القوية لقوارب الموت هي إعلان صريح على أن الوضع الاجتماعي بالمغرب وصل من جديد لمستوى أحمر فاقع، وسط مؤشرات وسياق جد مقلقين.
يحدث ذلك أمام حكومات ونخب سياسية لا تملك قرارها، و غير قادرة على طرح عرض جديد، ومقنع، من شأنه تنفيس الغليان، وإعادة ترتيب المشهد بعيدا عن النمطية و حالة الصمت اللتين استهلكتا عقودا من الزمن في تكريس الإخفاق والفشل، ما جعلنا نهدر الكثير من الفرص، ونحصل في النهاية على بلد بدون صحة ولا تعليم أو شغل وسكن لائقين.
بلد يغلي بالغلاء والمظالم و الفوارق، و يتزاحم فيه الريع والاحتكار والفساد، وتختنق هوامش مدنه بالفقر والإقصاء والبطالة.
بلد يتزاحم شبابه للهرب منه، و تتفكك أهم دعاماته المجتمعية بشكل فظيع، بعد تسجيل أزيد من 100 ألف حالة طلاق في السنة، دون أن يكون ذلك كافيا لإيقاظ من يهمهم الأمر من سباتهم.
تعليقات ( 0 )