في الأيام القليلة الماضية جرى تحولان مركزيان على مستوى قضية الصحراء، ينضافان إلى الزخم الذي حققه المغرب على مستوى حشد الموقف الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، فقد أعلن جاكوب زوما الرئيس السابق لجنوب إفريقيا في زيارة للمغرب الثلاثاء مؤخرا عن دعم حزبه «أومكونتو ويسيزوي» (رمح الأمة) المعارض في جنوب أفريقيا لموقف المغرب من الصحراء، وذلك عقب إصدار حزبه لوثيقة رسمية بهذا الخصوص، كما أعلنت البرتغال عن دعمها الكامل لمبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها «الأساس البناء والأكثر جدية ومصداقية من أجل تسوية هذا النزاع»، وذلك في الإعلان المشترك الذي اعتمده وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الدولة وزير الشؤون الخارجية البرتغالي، باولو رانجيل، عقب لقائهما الثلاثاء بلشبونة، ويأتي هذا الموقف عقب تغير موقف كل من إسبانيا وألمانيا وفرنسا لجهة دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي.
في جوهر الأمر، نحن بإزاء موقفين صدر الأول من حزب سبق له أن رأس دولة كانت تشكل الداعم الأساسي لأطروحة الانفصال، ويشكل القوة السياسية الثالثة في البلاد، وصدر من دولة أخرى في غرب القارة الأوروبية، تؤسس إلى جانب كل من إسبانيا وفرنسا الجوار الأساسي والاستراتيجي للإقليم.
في الواقع، يمكن اعتبار تغير موقف حزب زوما استراتيجيا بالنسبة للمغرب، على الرغم من أنه يشكل القوة السياسية الثالثة في البلاد، فقد سبق للقوة السياسية الثانية مجسدة في التحالف الديمقراطي أن عبرت عن الموقف ذاته في الشهور القليلة الماضية، فيما يؤشر على تحول كبير داخل النخبة السياسية الجنوب إفريقية لجهة دعم الموقف المغربي، إذ لم يعد يدعم أطروحة الانفصال اليوم سوى الحزب الحاكم (حزب المؤتمر الوطني الإفريقي) الذي تظهر مؤشرات أخرى أنه هو الآخر يعيش ديناميات داخلية على مستوى تقييم الموقف من الصحراء ومراجعته.
ما عبر عنه الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا جاكوب زوما يكشف البواعث التي جعلت حزبه يغير موقفه، إذ أشار إلى نقطتين اثنتين الأولى هو التغيرات التي حدثت على المستوى الدولي والإقليمي، والثانية هي عدالة الموقف المغربي بخصوص سيادته على أقاليمه الجنوبية، وهو التعليل نفسه الذي سبق لرئيس حزب التحالف الديمقراطي بجنوب إفريقيا أن استعمله غداة زيارته للمغرب.
ويطرح تحول موقف حزب زوما (رمح الأمة) تحديا كبيرا للحزب الحاكم وأيضا للجزائر التي يربطها مع حزب الحاكم تحالف استراتيجي، إذ تعتبره صمام الأمان لاستمرار بريتوريا في الاعتراف بجبهة البوليساريو، وذلك بعد بروز عدة مؤشرات بقرب انهيار التحالف الحكومي بجنوب إفريقيا، منها بروز خلافات داخله منذ السنة الماضية من نفس الشهر الجاري خلافات حول ميزانية العام الجاري وسياسات معالجة التفاوت العنصري، فقد قدم التحالف الديمقراطي شكوى ضد وزيري التعليم العالي والإسكان من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، كما سبق للرئيس سيريل رامافوزا أن أقال وزير التجارة، أندرو ويتفيلد عضو في التحالف الديمقراطي، بسبب رحلة غير مصرح بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع التحالف الديمقراطي إلى مقاطعة الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس، وسط حديث عن إمكان الدعوة لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وسيناريو استمرار الحكومة باستمرار التوتر إلى حدود الانتخابات التشريعية القادمة.
الجزائر، وبسبب الخلافات التي يعرفها التحالف الحكومي، وبسبب الثقل الذي يشكله جاكوب زوما، بوصفه شخصية مؤثرة وأحد أهم قيادات الزولو(المجموعة العرقية الأكبر في جنوب إفريقيا) بعثت بوفد إلى جنوب إفريقيا بشكل فوري عقب صدور موقف جاكوب زوما وحزبه من قضية الصحراء المغربية، وذلك لتقييم الوضع، واحتواء التداعيات التي يمكن أن يشكلها هذا الموقف على مستقبل الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا.
البعض ركز بشكل كبير على تداعيات تغير موقف حزب جاكوب زوما، وأنه يعني إلى جانب تغير موقف القوة السياسية الثانية في البلاد (التحالف الديمقراطي) اقتراب جنوب إفريقيا بشكل كبير من مغادرة موقعها كداعم محوري للأطروحة الانفصالية، سواء سقطت الحكومة بفعل الخلافات الداخلية التي تخترقها، أو أكملت ولايتها، لكن اللافت في تحول القوتين السياسيتين الثانية والثالثة في جنوب إفريقيا هو أن الموقف لم يكن شخصيا بسبب تغير قناعة زعامة الحزبين، وإنما جاء من خلال تقييم استراتيجي رسمي أجراه الحزبان كل على حدة، بناء على رؤية التحولات الدولية والإقليمية الجارية، وأن جنوب إفريقيا ستكون متضررة بشكل كبير إن لم تنه دعمها للأطروحة الانفصالية، فالمجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، لاعتبارات أمنية واستراتيجية واقتصادية وتجارية، أضحى يقدر أن مشكلة الصحراء ينبغي أن تجد حلها في إطار من المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وأنه يستحيل ضمان تدفق العملية التجارية إلى القارة الإفريقية وتكثيف الشراكة مع القارة السمراء دون اندماج إقليمي، وأمن واستقرار في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وخلو منطقة الصحراء (الممر الأساسي للبضائع) من دواعي النزاع.
وهكذا فالتحليل الذي يركز على تحولات النخب السياسية في جنوب إفريقيا، يرهن تغير الموقف بحدوث أزمة سياسية في جنوب إفريقيا تفضي إلى انتخابات تشريعية يسقط فيها الحزب الحاكم، وتتولى الحكم إحدى القوتين السياسيتين، الحليفة للمؤتمر الوطني الإفريقي (التحالف الديمقراطي) أو المعارضة للحكومة (حزب روح الأمة) أو ينتظر الزمن الانتخابي العادي الذي يحدث فيه تحول الموقف الرسمي، بينما التحليل الاستراتيجي الذي يرتهن إلى التحولات الدولية والإقليمية، يقول بأن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه، سيكون بصدد مراجعة عميقة لموقفه، وأن الذي يفصله عن ذلك مسألة وقت ليس إلا.
ومهما يكن الأمر، فإن جنوب إفريقيا، ستكون بصدد تحول عميق في سياستها تجاه المغرب، وأنها إن لم تغادر منطقة دعم الأطروحة الانفصالية بفوز إحدى القوتين السياسيتين في الانتخابات التشريعية العادية أو السابقة لأوانها، فإنها ستختار موقفا أكثر اعتدالا في حال استمرار حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وأن ذلك هو الذي عزز من مخاوف السلطة في الجزائر التي أضحت تراقب تحول العالم الإفريقي من حولها، وأنه بعد تغير موقف جنوب إفريقيا، ستسارع الدول الإفريقية المصنفة ضمن المناطق الرمادية، إلى الالتحاق بالموقف الداعم للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وأن الجزائر نفسها، ستجد نفسها مضطرة للضغط على جبهة البوليساريو للحوار مع المغرب لتسوية الملف، قبل أن تصبح كابوسا يعرض أمنها القومي للخطر.
بلال التليدي
كاتب وباحث مغربي
تعليقات ( 0 )