ما حدث أمام المحكمة في ملف “إسكوبار الصحراء”لم يكن مجرّد حضور شاهدة، بل استعراض مجاني أساء أكثر مما أفاد.
الفنانة لطيفة رأفت حضرت إلى المحكمة دون أن تتوصل بأي استدعاء رسمي، وبدل الالتزام بقواعد التحفظ والتقيد بالمساطر، اختارت الإدلاء بتصريحات للصحافة، كأنها في جولة ترويجية لا في مرفق قضائي تُصان فيه الحقوق وتُرعى فيه الهيبة.
أمام مؤسسة مؤطرة بالقانون، لا يمكن القبول بأن يأتي أي شخص من تلقاء نفسه بدعوى “المساهمة في إظهار الحقيقة”.
المحكمة ليست سوقا عمومية ولا فضاء مفتوحا لأي عابر طريق “يريد أن يفيد”، بل هي فضاء سيادي تحكمه إجراءات صارمة، يُستدعى فيه الشاهد بقرار قضائي، وتُحدّد جلسات الاستماع بناء على تقدير هيئة المحكمة لحجية الشهادة وجدواها.
حين تقول لطيفة رأفت: “شهادتي لن تغيّر شيئًا”، فهي تنصّب نفسها مكان القضاء، وكأنها تُفتي في الملف وتُصدر منطوقا استباقيا للحكم، كما لو أنها على دراية بالحكم الذي سيصدر..
هذا السلوك ليس فقط مخالفا للأعراف القضائية، بل يحمل في طيّاته استخفافا بمبدأ المحاكمة العادلة، وتشويشا على مجريات العدالة.
من جهة أخرى، إذا كانت المحكمة قد قررت استدعاء الشاهدة، فهذا يعني أنها تداولت في الأمر، ورأت أن في الشهادة فائدة حقيقية للملف، وبالتالي لا يحق لأي شخص أن يُقلّل من قيمتها أو يقدّمها كما لو أنها “خدمة تطوعية”، أو يعتبر أنها لن تُغيِّر في مجرى القضية شيئا، علما أن كم من شاهد في قضايا سابقة تحول إلى متهم، وكم من متهم أصبح بريئا..
تصريحات لطيفة رأفت، أمام عدسات الكاميرات، توحي بأن الشهادة منّة منها لا واجبا قانونيا، في ما قد يُقرأ أنه استخفاف واضح بالمؤسسة القضائية، وبالمجهودات الوطنية الجادة لإصلاح منظومة العدالة.
فحين تُقوّض هيبة المحكمة، وتتحول واجهة المحكمة إلى “شو إعلامي”، نخسر جميعا.. المتهمون، الضحايا، الرأي العام، والعدالة نفسها.
إن المؤسسة القضائية ليست حلبة لتصريحات النجوم، بل سلطة مستقلة لا تكتسب شرعيتها من الأضواء، بل من احترام القانون والإجراءات. ومن يستهين بهذه المؤسسة، يُسيء إلى المغرب ومؤسساته، سواء بقصد أو بغير قصد.
ما قامت به لطيفة رأفت بوعي أو بدون وعي، فيه الكثير من “خفة الرجل” والكثير من “خفة العقل”..





تعليقات
0