في الاحتفال الذي أرادته مايكروسوفت لحظة مجد وتاريخ، بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها، خطفت شابة مغربية الأضواء، لا بالكاميرا، بل بالصوت والموقف.
ابتهال أبو السعد، مهندسة الذكاء الاصطناعي وخريجة جامعة هارفارد، وقفت وسط القاعة بثقة وشجاعة، وقلبت الحفل إلى مرآة أخلاقية فضحت كل ما تحاول التكنولوجيا أن تخفيه خلف الأقنعة.
في لحظة صادمة، خاطبت مدير قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، مصطفى سليمان، الذي كان يعتلي المنصة يحتفي بإنجازات الشركة: “عــار عليك يا مصطفى! مايكروسوفت تزود الجيش الإسرائيلي بأســلحة الذكاء الاصطناعي. خمسون ألف إنسان قتــلوا. تبا، أنت سوري ولا تهتم! أيديكم كلها ملطــخة بالدمــاء”.
ثم ألقت كوفيتها باتجاه المنصة، قبل أن تُسحب خارج القاعة.
لم يكن ذلك نهاية القصة التي جابت العالم وفضحت مايكروسوفت.
في اليوم التالي، كشفت ابتهال في تصريح لوسائل الإعلام عن حجم الخوف الذي كان يعتريها من أن تتحوّل مهاراتها البرمجية إلى أدوات قتل:
“قد يلاحقونني بسبب كلامي، لكن خوفي من هذا الانتقام لا يُقارن بخوفي من العمل على تكنولوجيا تُستخدم في قصف الأبرياء. أكبر مخاوفي هي أن أستيقظ ذات صباح، لأكتشف أن الكود الذي كتبته كان سببا في موت أطفال. هذا هو هاجسي. ولهذا تحدثت، رغم علمي بالعواقب”.
وفعلا، لم تمضِ ساعات حتى فقدت ابتهال الوصول إلى حساباتها الوظيفية في مايكروسوفت. تم سحب مفاتيحها الرقمية دون بلاغ، وكأن الصمت هو العقوبة الأذكى حين يتم العجز عن تبرير دم الأبرياء.
ما فعلته ابتهال هو أكثر من احتجاج، هو إعلان أخلاقي نادر في واد تحكمه لغة المال والخوارزميات.
ابتهال وهي تصرخ في وجه القتل جسدت صرخة ضمير حي، كسر الصمت داخل أكثر المؤسسات نفوذا لا بحثا عن بطولة، بل هربا من التواطؤ.
ابتهال لم تحتج بصفتها مهندسة، بل بصفتها إنسانة، فقد أكدت لمن يحتاج لتأكيد أن الصمت أحيانا جريمة، والوقوف في الصف الأخلاقي هو المعركة الوحيدة التي تستحق أن تُخاض، حتى وإن خاضها شخص واحد في قاعة مكتظة بالصمت.
إبتهال ليست حالة طارئة، بل مرآة تعكس ما يجب أن نكون عليه جميعا، في زمن الخنوع والهروب الجماعي من المواقف..
تعليقات ( 0 )