كيف تتعامل سلوفينيا مع نزاع الصحراء؟

مع من تقف ليوبليانا في أعقد ملف بين الجارتين المغاربيتين؟ هل تنحاز إلى الرباط أم تميل إلى الجزائر؟ لا يتفق المغاربة والجزائريون على ذلك. لكن ما الذي ينتظرونه من بلد بلقاني صغير، بالكاد يتخطى عدد سكانه مليوني نسمة؟ لا شك في أنهم يتطلعون للحصول على موقف مطابق لوجهتي نظرهما من ذلك النزاع. لكن هل كان السلوفينيون مضطرين حقا لإقحام أنفسهم في معركة قد لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد؟ وهل كان بمقدورهم، بالنظر إلى الخلافات الحادة والعميقة بين المغاربة والجزائريين حول الصحراء، أن يقدموا على خوض ما يشبه المغامرة الصعبة، من دون المجازفة بنيل رضا طرف مقابل إغضاب الآخر؟
لقد وضعت دبلوماسيتهم على محك اختبار صعب وحساس، فقد كانت واحدة من بين النقاط المحورية التي أصر المغاربة على تضمينها في البيان المشترك الذي وقعه وزير خارجيتهم مع نظيرته السلوفينية، في أعقاب زيارة الأخيرة إلى الرباط في يونيو/حزيران الماضي هي الصحراء المغربية. وفي المقابل كان أهم موضوع سعى الجزائريون لإثارته خلال زيارة وزير خارجيتهم الشهر الماضي إلى العاصمة السلوفينية ليوبليانا، هو موضوع الصحراء الغربية. ولئن بات التسابق والتلاحق بين البلدين المغاربيين على كسب الاعترافات الدولية، إما بمغربية الصحراء، أو بحق في الانفصال عن المغرب، أمرا طبيعيا ومعتادا في السنوات الأخيرة بالتحديد، إلا أن السؤال الذي قد يطرح نفسه هنا هو، ما الذي دفعهما لأن يركزا جهودهما في الشهور الأخيرة وبشكل خاص على دولة أوروبية بعيدة عنهما نسبيا، ولدت في التسعينيات مع اشتعال فتيل تفكك يوغوسلافيا، ولا تجمعهما بها روابط قوية مثلما هو الشأن مثلا مع باقي دول الضفة الشمالية للمتوسط؟
ربما كانت للمصالح هنا كلمة الفصل، رغم أن زوايا النظر لها في العواصم الثلاث لم تكن واحدة. فبالنسبة للمغاربة كان تنويع شراكاتهم داخل القارة الأوروبية، وعدم حصرها فقط في الشركاء التقليديين للمغرب مهماً، في دفع الأوروبيين للخروج بموقف موحد من النزاع الصحراوي، يتطابق مع موقفهم. أما على الطرف الآخر فقد كان الجزائريون يرغبون باستثمار واحدة من أثمن الأوراق التي في حوزتهم أي ورقة الطاقة، خصوصا بعد أن ازدادت أهميتها نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، من أجل دفع تلك الدولة الأوروبية الصغيرة، لأن تقترب منهم وتبتعد بالتالي عن المواقف التي أعلنتها ألمانيا وإسبانيا، ثم لاحقا فرنسا من النزاع الصحراوي.

ومن جانبهم فقد انخرط السلوفينيون في سياسة تقارب واضحة مع العالم العربي، كان أحد أبرز مظاهرها هو إعلانهم في يونيو الماضي الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة وذات سيادة، أسوة بما فعلته دول أوروبية أخرى. لكنهم بدؤوا قبلها بفترة وخلال السنتين الأخيرتين بشكل خاص بالتطلع بقوة نحو الشمال الافريقي. ومن البديهي أنهم لم يكونوا بحاجة إلى ذكاء خارق حتى يفهموا ما الذي كان يتعين عليهم فعله للحفاظ على مصالحهم في منطقة تشهد توترات مستمرة وتعيش على وقع قطيعة حادة بين أكبر بلدين فيها. فقد كانوا يدركون جيدا حاجتهم إلى غاز وبترول الجزائر، مثلما أنهم كانوا يعرفون أيضا أنه سيكون من الخطأ الجسيم أن يتجاهلوا بلدا مثل المغرب، ربما قد يكون بوابة مثالية لهم لدخول الأسواق الافريقية. ولم يفتهم أن حدة الخلافات بين الجارتين، ومقدار الحساسية الشديدة التي باتت تكتسيها مسألة الصحراء، والبرود الذي أصاب علاقة المغرب والجزائر في فترات ما بأكثر من دولة أوروبية بسببها، كانت كلها عوامل من شأنها أن تعقد مهمتهم وتزيدها صعوبة. وهذا ما جعلهم يتحركون بحذر شديد وبخطوات محسوبة ويعملون على تقديم خطاب، كان يحاول قدر الإمكان أن يأخذ بالاعتبار تطلعات العاصمتين المغربية والجزائرية حول قضية الصحراء، رغم التباعد والتناقض الشديد بينها، مع الحرص بعدها على أن لا تكون له أي ارتدادات أو تأثيرات سلبية على علاقاتهم ومصالحهم، لا مع هذا الطرف ولا مع ذاك. لكن ما الذي قاموا به بالضبط؟ لقد طار رئيس وزرائهم في مايو/أيار الماضي إلى الجزائر، لافتتاح أول سفارة سلوفينية فيها، وبعد أن التقى بالرئيس عبد المجيد تبون خرج ليقول للصحافيين، وفقا للترجمة الرسمية الجزائرية، إن «الجزائر وسلوفينيا بصفتهما عضوين غير دائمين في مجلس الأمن، يعملان معا على امتداد الأشهر الماضية من أجل إيجاد حلول مشتركة للعديد من القضايا الراهنة والتحديات الدولية»، قبل أن يضيف «لقد تحدثت اليوم مع الرئيس تبون حول الوضع المأساوي في قطاع غزة، وضرورة تنسيق الجهود لدعم القضية الفلسطينية، كما تحدثنا عن سبل إيجاد حلول سلمية للعديد من القضايا الدولية. واتفقت مع السيد الرئيس على حرية الشعوب في تقرير مصيرها، كما هو الشأن بالنسبة للقضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية». ومن الطبيعي أن تكون الفقرة الأخيرة من ذلك الحديث قد أثارت في ذلك الحين أكثر من علامة استفهام. فهل أراد السلوفينيون حقا أن يجدفوا ضد التيار الأوروبي الذي بدا، خصوصا بعد مواقف ألمانيا وإسبانيا، يميل إلى تأييد وجهة النظر المغربية من ذلك النزاع؟ ربما جاء الجواب من خلال وكالة الأنباء السلوفينية، التي اكتفت بالإشارة إلى أن رئيس الوزراء روبرت غولوب التقى الرئيس الجزائري وناقش معه مجموعة من القضايا التي تهم البلدين، وتم الحديث عن مشاريع تتعلق بالغاز، من دون أن تتحدث بأي شكل من الأشكال عن ملف الصحراء. وهذا ما أعطى وسائل الإعلام المغربية حافزا لاتهام الجزائريين بتحريف وتزييف التصريحات السلوفينية، لكن ما الذي حدث بعد أقل من أسبوعين من ذلك؟ لقد ذهبت وزيرة الخارجية السلوفينية إلى الرباط ووقعت مع نظيرها المغربي إعلانا مشتركا، نص في إحدى فقراته على إشادة سلوفينيا بمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء «باعتباره أساسا جيدا للتوصل إلى تسوية نهائية ومتوافق عليها للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي»، مثلما جاء في نص البيان. وعاد الجزائريون بدورهم للحديث أواخر الشهر الماضي عن تكذيب لمزاعم المغرب من خلال توقيع وزيري خارجية الجزائر وسلوفينيا في ليوبليانا على بيان يؤكد «دعم المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ونهائي يكفل ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير»، وفق ما أوردته وكالة الانباء الجزائرية ليتواصل دوران الطرفين في حلقة الاتهام، من خلال إشارة بعض وسائل الإعلام المغربية إلى أن الجانب السلوفيني لم يشر أبدا لا إلى الشعب الصحراوي ولا إلى تقرير المصير في نص ذلك البيان. ووسط ذلك الجدل بقي السؤال عن المستفيد الحقيقي من وراء ذلك؟ ومع أنه وللوهلة الاولى يبدو أنه سلوفينيا، إلا أن تطورات ملف الصحراء قد لا تجعلها الفائز الوحيد.

كاتب وصحافي من تونس

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي