4 سنوات لتشغيل 66 رادار من أصل 552 كلفت 27 مليار سنتيم

صفقات رادارات السرعة.. الكعكة التي تطاردها لعنة الفضائح

هل هناك فساد أكبر من الذي يؤدي إلى فقدان حياة المغاربة سنويا على الطرقات؟ من المحزن حقيقة أن تنفق الدولة سنويا ميزانيات ضخمة على مراقبة الطرق، سواء بالتجهيزات أو الموارد البشرية، بينما لازال بيننا مسؤولون ينامون مطمئنين وهم يعلمون بأن الصفقات التي قاموا بتمريرها لا أثر لها على أرض الواقع، كما يجري اليوم في ملف “الرادارات” الذي يذكرنا بملف مشابه في عهد حكومة عباس الفاسي عندما تم وضع رادارات ليست مربوطة أصلا بالتيار الكهربائي.

اليوم، تُسبب حوادث السير سنويا بالمغرب ما يقرب من3500 حالة وفاة و12000 إصابة خطيرة، أي بمعدل عشر حالات وفاة و33 إصابة خطيرة يوميا . وللحد من هذه الوضعية، اتخذت عدة إجراءات من بينها اعتماد نظام لمراقبة ومعالجة المخالفات الملتقطة بواسطة الرادارات الثابتة، من خلال وضع أجهزة تكنولوجية مخصصة لضبط ومراقبة وإثبات المخالفات، كما تنص على ذلك المادة 197 من مدونة السير على الطرق.

هذه الأجهزة ظلت دائما تسيل لعاب الكثيرين، باعتبار مردوديتها العالية والمبالغ المرتفعة التي تخصص لها. لكن بعد استبشرنا خيرا بتثبيت الرادارات الذكية، التي بإمكانها رصد كل شيء من السرعة إلى عدم احترام الأضواء الثلاثية وإشارات “قف” والخط المتصل، جاء تقرير المجلس الأعلى للحسابات ليصب سطلا من الثلج فوق رؤوسنا ويؤكد بأن الملايير التي أنفقت لم تجد طريقها إلى طرق المملكة. فماذا وقع بالضبط؟

113 رادار لـ4 ملايين سيارة

وفق أرقام صادرة عن وزارة النقل والتجهيز، يتكون أسطول المركبات بالمغرب من حوالي 4 ملايين سيارة. وفي المقابل، نجد أن الأسطول الوطني للرادارات الثابتة لا يتجاوز،  إلى غاية شهر مارس من السنة الفارطة، 113 رادارا مشغلا و552 رادارا من الجيلالجديد في طور التركيب، تم اقتناؤها خلال سنة2018، بمبلغ إجمالي قدره 276 مليون درهم، بالإضافة إلى مصاريف صيانتها بمبلغ 11,5 مليون درهم.

ويسهر على عمليات رصد ومعالجة المخالفات عدة متدخلين، وهم الوكالة الوطنية للسلامة
الطرقية ووزارة النقل واللوجستيك ووزارة العدل والنيابة العامة والمحاكم الابتدائية والخزينة العامة للمملكة وبريد المغرب. ومن أجل تسهيل عملية تبادل المعلومات، يستغل هؤلاء المتدخلون أنظمة معلوماتية لمعالجة رسائل المخالفات وتبليغها للمعنيين بالأمر، وتحصيل الغرامات التصالحية والجزافية وتدبير الشكايات والإبلاغ عن المخالفين، وعند الاقتضاء إحالة المحاضر على المحاكم المختصة.

ووفق المجلس الأعلى للحسابات، فإن هذا النظام الآلي مكن من معالجة أكثر من17,1مليون رسالة مخالفة نتج عنها 8,5 مليون محضر، خلال الفترة 2015-2021، منها 1,07مليون رسالة تمت تسويتها في المرحلة الودية (أي بنسبة 12,5%من المحاضر التي تمت معالجتها)، و1,63مليون مخالفة في طور التحرير، فيما تمت إحالة 5,8 مليون محضر مخالفة على القضاء.

وشرعت الوزارة المكلفة بالنقل واللوجستيك باقتناء وتركيب الرادارات الثابتة سنة 2007، من خلال اقتناء 150رادارا. غير أن التأخر في دخول قانون مدونة السير على الطرق حيز التنفيذ، إلى غاية سنة 2010، أدى إلى قصور في استغلال هذا العتاد، حيث لم يتم الشروع في استغلال مائة رادار إلا ابتداء من سنة 2014. وفي سنة 2018، تم الشروع في توسعة حظيرة الرادارات الثابتة، بعد اقتناء 552 رادارا من الجيل الجديد، بمبلغ إجمالي قدره 276 مليون درهم، لتغطية جميع جهات المملكة.

ووفق تقرير المجلس، فإن عملية تركيب الرادارات تمر بعدة مراحل أهمها القيام بأشغال التثبيت والربط بشبكة الكهرباء، وإجراء الاختبارات التقنية لتشغيلها، ثم تسلم المعدات من طرف اللجنة المعينة من طرف الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية. إلا أنه، وبعد انصرام ثلاث سنوات من تاريخ المصادقة على الصفقات المخصصة لاقتناء هذه الرادارات في دجنبر 2018، لم يتجاوز معدل تركيبها 12% من مجموع العتاد (أي 66 رادارا من أصل 552 تم اقتناؤها إلى حدود نهاية فبراير 2022)، مقابل 29% من الرادارات في طور التركيب و59% لم يتم تركيبها بعد.

هذه الملاحظات ردت عليها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا” بأن السبب في التأخر المسجل في أشغال تركيب الرادارات يعود أساسا إلى فترة الحجر الصحي التي أدت إل نقص حاد في وتيرة تثبيت الرادارات، علاوة على التأخير الكبير في الحصول على التراخيص اللازمة لتثبيت الرادارات وربطها بالشبكة الكهربائية بسبب تعدد المتدخلين والإكراهات الإدارية المرتبطة بكل متدخل. كما أفادت بأنه إلى متم شهر يوليوز2022، تم تشغيل 134 جهازا أي 24%، وتثبيت 136جهازا أي 25% في انتظار ربط هذه الأجهزة بالكهرباء، والباقي في طور الإنجاز.

رادارت اللامراقبة

أكد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره أن نجاعة وفعالية نظام مراقبة ومعالجة المخالفات الملتقطة بواسطة الرادارات الثابتة تشكل وسيلة أساسية لتغيير سلوك السائقين. غير أن فعالية هذا النظام تبقى محدودة، بالنظر إلى ارتفاع حجم المخالفات التي يتم إلغاؤها بعد معاينتها، بحيث تم تقدير مبالغ الغرامات المحتملة المقابلة لها بما يزيد على 3.881 مليون درهم، خلال الفترة 2015-2021، أي ما يعادل 554 مليون درهم في السنة. وتعود أسباب هذه الوضعية إلى وجود مشاكل تقنية أو متعلقة بالتبليغ أو بتقادم المخالفات، سواء في مرحلة معالجتها على مستوى الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية أو بعد إحالتها على المحاكم المختص.

وفي تفاصيل هذه الاختلالات، نجد أنه خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2021، بلغ عدد المخالفات الملتقطة بواسطة الرادارات الثابتة، أزيد من 17 مليون مخالفة. وقد أدت معالجة هذه المخالفات إلى قبول 8,52 مليون مخالفة وإلغاء 6,69 مليون منها، وهو ما يعادل نسبة إلغاء تجاوزت 39 في المائة. وتعزى هذه الوضعية إلى عدة أسباب، ذلك أن المخالفات الملغاة بسبب ضعف جودة الصور الملتقطة تشكل حوالي 64% من إجمالي المخالفات الملغاة، أي ما يزيد عن4,27 مليون مخالفة. ويمكن تفسير هذه الوضعية بالحالة المتردية لكاميرات الرادارات ولعدم مطابقة صفائح التسجيل لمعايير التصنيع (صور داكنة أو ساطعة أو غير واضحة، بالإضافة لتعذر قراءة صفائح المركبة).

ولا تمكن كاميرات الرادارات الثابتة من الجيل القديم من تحديد المركبة المخالفة التي توجد في بعض الوضعيات المرورية (مثل مركبتين متوازيتين أو مركبتين متتابعتين تفصلهما مسافة قصيرة) ويتسبب هذا القصور التقني في إلغاء عدد كبير من المخالفات سنويا، حيث شكلت حوالي 26% من إجمالي المخالفات الملغاة خلال الفترة سالفة الذكر.

وعلى صعيد متصل، لا تتوفر الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية على منصة مشتركة مع الشركة الوطنية للنقل واللوجستيك من أجل مدها بالمعطيات اللازمة لتحديد مستعملي سيارات الدولة المرتكبة للمخالفات. وقد بلغ، خلال الفترة2015-2021، عدد المخالفات الملتقطة لهذه السيارات حوالي 305.895 مخالفة، ما يزيد عن 64% منها لم يتم التعرف على مرتكبيها (حوالي196.777 مخالفة). كما تجدر الإشارة إلى أن ما يزيد عن 2646 مخالفة من شأنها أن تصنف كجنحة و 20086مخالفة من الدرجة الأولى. مع العلم بأن الوكالة الوطنية تقوم بتبليغ محاضر المخالفات الملتقطة إلى الإدارات المعنية، دون أن تقوم هذه الأخيرة بالتبليغ بشكل منتظم عن الموظفين المخالفين.

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي