ليس عاديا أن يعلن المجلس الأعلى للحسابات عن تفاصيل عمليات التدقيق التي تستهدف مالية الأحزاب السياسية وتلك المرتبطة بالتصريح بالممتلكات، ويكشف عن الاختلالات المرصودة دون أن يثير ذلك تساؤلات عميقة حول القرارات التي تتخذ من أجل تصحيح هذه الوضعية..فهناك أحزاب لم ترجع للدولة مبالغ دعم غير مستحقة، بينما يتم تسجيل تخلف سياسيين ومسؤولين عن وضع التصريح بممتلكاتهم، والأخطر عندما تكون هذه التصاريح متناقضة من سنة إلى أخرى.
على سبيل الذكر، من أصل 34 حزبا، أودع 29 حزبا حساباتهم السنوية برسم السنة المالية 2021، مقابل 30 حزبا سنة 2020 و32 حزبا سنة 2019. وقد تخلفت 05 أحزاب عن تقديم حساباتها إلى المجلس برسم سنة 2021. وتجدر الإشارة إلى أن 18 حزبا من أصل 29 أدلوا بحساباتهم داخل الأجل 31 مارس 2022..
وقد بلغ مجموع الموارد المصرح بها من طرف الأحزاب السياسية ما يناهز 499,69 مليون درهم برسم سنة 2021، بما فيها مبالغ الدعم المقدم للأحزاب لتمويل حملاتها الانتخابية برسم اقتراعات 2021، مقابل 121,93 مليون درهم سنة 2020 و127,39 مليون درهم سنة 2019. في حين بلغ مجموع النفقات المصرح بصرفها برسم سنة 2021 ما يناهز 502,26 مليون درهم، بما فيها مصاريف الحملات الانتخابية برسم الاقتراعات المذكورة، مقابل 122,07 مليون درهم سنة 2020، و145,73 مليون درهم سنة 2019.
دعم غير مستحق
عملا بالمقتضيات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، قام 22 حزبا بإرجاع جزء من الدعم الممنوح لها إلى الخزينة بما مجموعه 7,09 مليون درهم خلال سنة 2020 و7,53 مليون درهم خلال سنة 2021 و18,28 مليون درهم خلال سنة 2022. وفي المقابل، سجل المجلس أن 13 حزبا لم يقم بإرجاع مبالغ الدعم إلى الخزينة بما مجموعه 4.22 مليون درهم، تتعلق بالدعم الممنوح لها برسم استحقاقات انتخابية سابقة (اقتراعات 4 شتنبر 2015 و2 أكتوبر 2015 و7 أكتوبر 2016)، وكذا برسم الدعم السنوي عن سنوات 2017 و2020 و2021.
وبالخوض في تفاصيل صرف النفقات، يتضح أن مجموع النفقات المصرح بصرفها من طرف الأحزاب السياسية سنة 2020 ما مجموعه 122,07 مليون درهم، مقابل 145,73 مليون درهم سنة 2019. وسجل المجلس، في هذا الصدد، ملاحظات بخصوص صرف نفقات بمبلغ إجمالي قدره 1.33 مليون درهم، أي بنسبة 1.09% من مجموع النفقات المصرح بصرفها، مقابل 2.34 مليون درهم سنة 2019.
و تخص هذه الملاحظات نفقات لم يتم بشأنها تقديم وثائق الإثبات المطلوبة بقيمة 929709.20 درهم، أي بنسبة 0.76 في المائة من مجموع النفقات المصرح بصرفها، مقابل 1.899.394,08 درهم سنة 2019. كما تم تسجيل نفقات تم بشأنها تقديم وثائق إثبات غير كافية، وذلك بما قيمته 54.728,50 درهم ، إلى جانب نفقات تم بشأنها تقديم وثائق في غير اسم الحزب بقيمة 344.243,64 درهم.
لذلك، أوصى المجلس بمواصلة المجهودات المبذولة من طرف السلطات الحكومية المختصة والأحزاب السياسية المعنية بإرجاع، إلى الخزينة، مبالغ الدعم غير المبررة وعند الاقتضاء اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق الأحزاب التي لم تقم بتسوية وضعيتها تجاه الخزينة. كما دعا إلى العمل على تنظيم دورات تكوينية أخرى لفائدة الأطر الإدارية للأحزاب السياسية بغرض تيسير استعمالها للمخطط المحاسبي الموحد وإعداد دليل للمساطر المحاسبية ونظام معلوماتي مشترك بين الأحزاب السياسية.
وأوصى المجلس بالسعي لتحقيق مزيد من الشفافية في الحسابات المالية، وذلك من خلال الحرص على تقديم الوثائق المكونة للحسابات السنوية داخل الآجال المقررة في القانون التنظيمي رقم 11.29 المتعلق بالأحزاب السياسية، والإشهاد بصحة الحسابات المدلى بها وفق مقتضيات القرار المشترك لوزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية المتعلق بالمخطط المحاسبي للأحزاب السياسية ، ووفق المعيار 5700 من “دليل معايير التدقيق القانوني والتعاقدي” للهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين. كما أكد المجلس على ضرورة العمل على مسك المحاسبة وفق مقتضيات “الدليل العام للمعايير المحاسبية” مع مراعاة الملاءمات المنصوص عليها في المخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية.
اختلالات التصريح بالممتلكات
إلى جانب الاختلالات المسجلة على مستوى مالية الأحزاب السياسية، يبدو أن هناك أمورا ليست على ما يرام في حاشية عدد من الوزراء. فبالعودة إلى التقرير، نجد أن المجلس توصل من الأمين العام للحكومة بقائمة ستة رؤساء دواوين لأعضاء الحكومة المعينة وذلك إلى متم شهر نوفمبر 2022. وقد قام خمسة منهم، بالإدلاء بالتصريح بممتلكاتهم بمناسبة استلام المهام، بينما أدلى ثلاثة رؤساء دواوين آخرين بتصاريحهم، لم ترد أسماؤهم ضمن القائمة المتوصل بها، حيث تم تحميل المعلومات الخاصة بهم عند إدلائهم بالتصريح لدى كتابة الضبط بالمجلس. أما فيما يخص رؤساء دواوين أعضاء الحكومة الآخرين، فإن المجلس لم يتوصل بعد بقوائمهم الإسمية وبالتصريح بممتلكاتهم.
وبخصوص أعضاء مجلس النواب تلقت الأمانة العامة للهيئة المذكورة 394 تصريحا بالممتلكات بينما تخلف عن إيداعه ثلاثة أعضاء من المجلس المذكور. أما بالنسبة لأعضاء مجلس النواب المنتهية ولايتهم برسم الولاية التشريعية 2016-2021، فقد سجلت الأمانة العامة عدم إيداع 71 تصريحا برسم نهاية الانتداب عن نفس الفترة. وفي المقابل، أدلى جميع أعضاء مجلس المستشارين الـ120 بالتصريح بممتلكاتهم. أما بالنسبة للأعضاء المنتهية ولايتهم برسم الولاية التشريعية 2016-2021، فقد سجلت الأمانة العامة للهيئة، إلى حدود 30 شتنبر 2022، عدم إيداع 12 تصريحا برسم نهاية الانتداب.
إلى ذلك لاحظ المجلس من خلال فحص مدى تطابق واتساق البيانات المضمنة بالتصاريح، أن بعض التصاريح بالممتلكات يشوبها عدم اتساق المعطيات ضمن نفس التصريح، حيث يتم الإقرار مثلا بديون في إطار المداخيل المستلمة خلال السنة السابقة للتعيين أو الإدلاء بالمدة المتبقية لسداد الدين بدل الأقساط الشهرية والمبلغ الباقي سداده وذلك في غياب معطيات عن تاريخ الدين أو الجهة المقرضة.
كما أظهرت المقارنة بين التصاريح المتتالية لنفس الملزم عدم اتساق المعطيات بين هذه التصاريح واختلاف في البيانات المصرح بها، من قبيلعدم التصريح بالمداخيل المستلمة خلال السنة السابقة للتعيين عند التصريح الأولي وتدارك الأمر لاحقا بمناسبة تجديد التصريح، وتغيير في بيانات القرض من تصريح لآخر وفي المعطيات الخاصة بالقيمة الشرائية وبتاريخ التملك وبالحصة في الملكية بين التصريح الأولي وتصريح التجديد. أيضا، يتم إغفال التصريح بمآل عقار في التصريحات الموالية أو بعقارات في التصريح الأولي رغم أن تاريخ التملك يعود لسنوات سابقة، إلى جانب عدم التصريح بجميع الممتلكات المدلى بها في تصريح سابق والاكتفاء بإضافة عقار دون تحديد طبيعته.
تعليقات ( 0 )