الغلوسي: تقارير مجلس الحسابات أصبحت من الطقوس العادية التي لا تخيف أحدا

الإثراء غير المشروع يسائل تصريح السياسيين والمسؤولين بممتلكاتهم

على غرار السنوات السابقة، يعود المجلس الأعلى للحسابات لنشر تقارير تحمل أهمية كبيرة من حيث المجهود الذي يبذله قضاة هذه المؤسسة الدستورية في مراقبة صرف المال العام وآثاره على تنمية البلاد، ليرصد بذلك اختلالات وملاحظات واسعة، ويصدر بشأن توصيات يفترض أن تجد طريقها إلى التنفيذ.

لكن هذه التقارير، على أهميتها، تحولت إلى ما يشبه روتينا لا يزعج أحدا، بما في ذلك المفسدين. فتعقد الإجراءات المتعلقة بالمتابعة القضائية، ووجود جزء مهم منها تحت السلطة التقديرية للجهاز التنفيذي، يجعل من هذه التقارير ممارسة تكاد تفقد أثرها الحقيقي في نشر مبادئ الحكامة والشفافية.

في الواقع، ليس الأمر مرتبطا فقط بمواجهة من يستولون على المال العام سواء بالاختلاس المباشر أو التلاعب في الصفقات وغير ذلك، بل أيضا مساءلة إهدار المال العام من خلال نجاعة عدد من الصفقات والقرارات، والمسؤولية عن غياب الأثر رغم إنفاق ميزانيات كبيرة.

اليوم، لابد أن نتساءل عن مصير هذا المجهود الذي بذله قضاة المجلس، مركزيا وجهويا، في رصد الاختلالات والثغرات في التدبير والتسيير..لابد أن نعرف إن كانت الحكومة ستسائل أولائك الذين تورطوا في تأخر تشغيل الرادارات بينما نفقد سنويا أزيد من 3000 مواطن على طرقات البلاد..ونتساءل أيضا، عن أولائك الذين يلتزمون الصمت أمام احتكار مئات الأدوية، والانخفاضات الوهمية لأسعارها.

طقس اعتيادي

بالنسبة لمحمد الغلوسي، المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، فقد انتقد تحول إخراج التقارير الرسمية إلى هدف في حد ذاته ويتم الاحتفال بذلك كمناسبة اعتيادية. وأشار إلى أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات، الذي يشخص ويدقق ويوثق جرائم فساد مالي ويصدر توصيات، ألفها المغاربة وأصبحت  طقسا من الطقوس العادية التي لا تبدل حالا ولا تخيف أحدًا”.

وعلق على التقارير بالقول: “المهم هو أن نقول للعالم نحن أيضا لدينا مؤسسات للحكامة والرقابة على تدبير الشأن العام”، مشيرا إلى أن “الماركة المغربية للرقابة والمحاسبة جديرة بالتأمل والدراسة، إذ تشير إلى وجود ضحية للفساد ونهب الأموال والريع والرشوة، والضحية في هذه الصورة هي المجتمع برمته ومستقبله في التنمية والعدالة، كما تحرص على الإشارة إلى الجاني بصفته واسمه وتؤكد بأنه مدان بأدلة لا يرقى إليها الشك لأنه سرق أموالا عمومية كانت موجهة إلى تشييد قناطر ومستشفيات ومدارس وبنيات تحتية ومرافق عمومية وأجهض حلم شعب بكامله في أن يساير الأمم المتقدمة”.

لكن تلك التقارير نفسها، يضيف الغلوسي، “تقسم بأن يحمى لصوص المال العام، لأننا بتعبير أحدهم الذي علمهم السحر لن نجد مستقبلا من يتقدم للانتخابات لذلك لا تزعجوا أحدا و لا تنصتوا للغوغائيين فهم يهدفون فقط إلى التشويش على مسيرة الإصلاح والنماء”.

وأضاف الغلوسي، في تدوينة له، أن هذه التقارير “توثق لجرائم واضحة واختلالات تدبيرية وقانونية تتطلب جزاءات إدارية أو جنائية، لكن المفارقة الكبرى أن بعضا من المتهمين سيكون حاضرا بالقبة المحترمة لأنه من ممثلي الأمة وسيناقش هذه التقارير بل إنه يستطيع أن يهاجم معديها دون أن يشعر بأي توجس أو خوف”.

وأضاف: “تعرض تلك التقارير على ممثلي الأمة والبعض منهم متورط في الفساد وغسيل الأموال والرشوة واستغلال النفوذ ليحتفل الجميع على آلام الضحية (المجتمع )، وسيتناول الإعلام والناس تلك التقارير، لكن لصوص المال العام والذين راكموا ثروات مشبوهة لا خوف عليهم لأن المحاسبة والعقاب لن يكونا من نصيبهم ،وسنجبر جميعا على تحمل تكلفة فسادهم ونهبهم”.

الإثراء غير المشروع

من بين الإشكالات التي تطرحها اليوم تقارير المجلس الأعلى للحسابات هي عدم وجود تشريع وطني لمحاربة الإثراء غير مشروع..فحتى لو تم التصريح بممتلكات غير مبررة، فإن القوانين المتوفرة حاليا تصعب طرح سؤال “من أين لك هذا”، ومطاردة المعني بالأمر من أجل استعادة تلك الأموال.

وترى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، أنه من الواجب إفراد قانون خاص لمحاربة الإثراء غير المشروع، على اعتبار أن جرائم الفساد تتميز بخصوصيات تستدعي آليات إثبات ملائمة وناجعة، مشيرة في هذا الصدد إلى أنه، مثلا، في حالة عدم تبرير ارتفاع “موجودات” موظف عمومي مقارنة بمصادر دخله يستوجب تكييف الزيادة على أنها إثراء يتعين تجريمه.

وتنطلق الهيئة، كما أشارت إلى ذلك في تقرير موضوعاتي أنجزته حول الإثراء غير المشروع، من كون المنتظم الدولي اتجه إلى اعتبار هذا الإثراء سلوك يتعين تجريمه مـن طـرف التشريعات الوطنية، كضامنـة وقائية لحماية أموال الدولة، وتحصن الذمم المالية للمسؤولين عن تدبير الشأن العام، وترسيخ الوعي بأن ممارسة الوظيفة لا يمكن أن تشكل فرصة لممارسة الفساد وتحصيل أموال وفوائد غير مشروعة.

وتقول الهيئة إن المشرع المغربي انصرف إلى طرح مشروع تجريم الإثراء غير المشروع كجريمة جديدة ضمن مشروع القانون الجنائي الذي عرض للدراسة والمصادقة على أنظار لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب.

وذهبت الهيئة إلى تطويق التجريم داخل إطار التصريح بالممتلكات غير قادر لوحده على اكتشاف ورصد التطور المشبوه، كما أنه لا يمكن إرجاء عملية مراقبة التطور المشبوه إلى غاية نهاية الوظيفة أو المهمة، لأنه قد يؤدي إلى انفلات ملزمين لامتداد وظائفهم إلى سنوات.

كما ترى الهيئة أنه لا يمكن تنصيب المجلس الأعلى للحسابات لوحده جهة لرصد حالات الإثراء غير المشروع، لأن هذا يعطل إمكانيات التبليغ من طرف مسؤولي الإدارات المعنية، كما يعطل صلاحيات بعض هيئات إنفاذ القانون، كما أن إسناد الأمر للمجلس يسائل سلطة النيابة العامة.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي