“فين غاديين بينا”

قوارب الموت التي صارت تنطلق من جميع المدن المغربية تقريبا تؤكد الحقيقية التي صارحنا بها المرصد الوطني للتنمية البشرية.

هي ذات الحقيقة التي سبقه إليها البنك الدولي بعد أن كشف أن المغرب متأخر عن فرنسا وإسبانيا بحوالي نصف قرن فيما يخص مؤشر التنمية البشرية، أي أن ساعة من يدبرون أمرنا بها عطب ندفع ثمنه جميعا.

هذه الخلاصة الصادمة تضاف إلى واقع أن عدد من الدول الفقيرة استثمرت أموالا أقل منا بكثير، وحققت نتائج مهمة في التنمية.

هذا في الوقت الذي نراوح فيه مكاننا إن لم نكن قد عدنا خطوات إلى الوراء وفتحنا باب اليأس مشرعا أمام آلاف الشباب للمقامرة بأرواحهم في رحلات الموت.

يحدث هذا في ضل رفض وزراء الحكومة وعلى رأسهم عراب المحروقات الاعتراف بوجود أزمة مستفحلة.

إنكار رسمي يغذي هروب هؤلاء الدائم إلى الإمام من خلال الدعوة إلى نبذ السوداوية والعدمية ،والإقرار ب”الانجازات الباهرة” التي تحققت.

انجازات يراها المسؤولون فقط بطبيعة الحال، أما المواطنون فلا زالوا يبحثون عن شيء يحفزون به هرمون الأمل، في بلد تعليمه منهار، وصحته معطوبة، واقتصاده يعاني من تغول الفساد والاحتكار والريع، لذا لا غرابة أن يشبه وضعنا الحالي وضع الفرنسيين سنة 1950  بعد كل ما عانوه في الحرب العالمية الثانية.

لقد كانت مشاهد آلاف الشبان الذي حجوا ذات صيف لشواطئ الشمال للهرب من هذا البلد بعد رحلات “الفانطوم” الغامضة كافية للتأكيد على أن هذا الوطن ضاق بالكثيرين.

وأن الملايين أصبحوا يعانون من حالة اختناق جماعي في ضل انهيار الخدمات وغلاء المعيشة و تغول الفساد وانسداد الأفق.

مشكل هذا البلد الحقيقي أننا نهدر الوقت بشكل عبثي.

ونستهلك الكثير من الكلام.

ونفرط في التشخيص والتوصيف دون أن نملك جرأة الاقتراب من مكان العطب الحقيقي.

و دون أن نتحلى بالشجاعة الكافية لإجراء العلميات الجراحية المعقدة والمستعجلة التي تنتظرنا، والتي نكتفي بتأجيلها ومنحها مواعيد طويلة على حساب انتظارات المغاربة، ومستقبل الأجيال القادمة.

مسؤولية تقع بالأساس على النخب والسياسيين الانتهازيين الذين اكتسحوا المشهد و”باعوا الماتش” بعد أن ذاقوا من حلاوة الامتيازات والمناصب.

اليوم غسلينا أصبح ينشر تباعا، وأعطابنا العميقة والفادحة أصبحت مكشوفة، لكن البعض يواصل الادعاء بأن القطار لازال يسير فوق سكته.

 

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 1 )
  1. توزاني مصطفى :

    اظن انكم لا تعرفون حالة اوربا وخاصة فرنسا اليوم ..

    -1

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي