أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن المغرب يقف اليوم أمام مرحلة دقيقة من مسار ترسيخ قيم الشفافية والحكامة، داعيًا إلى تجاوز منطق مقاومة الفساد نحو إرساء ثقافة مؤسساتية للنزاهة تُترجم في الممارسات اليومية داخل الإدارات العمومية.
جاء ذلك خلال مشاركته في المؤتمر الإقليمي حول النزاهة العامة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا، المنظم بالرباط بشراكة مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، والذي خُصص لاستعراض التجارب الوطنية في تتبع مؤشرات النزاهة العامة.
وشدد بنعليلو على أن اللقاء يمثل وقفة وطنية لتقييم السياسات العمومية في مجال محاربة الفساد، وفرصة لمساءلة مدى التقدم في تنزيل الالتزامات القانونية والبرامج الحكومية المتعلقة بالشفافية والحكامة. وقال إن “التحدي اليوم لم يعد في إصدار القوانين أو صياغة الاستراتيجيات، بل في ضمان فعاليتها وقدرتها على إحداث أثر ملموس في حياة المواطن”.
وأشار رئيس الهيئة إلى أن تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية كشف عن مجهودات واضحة بذلتها المملكة في مجالات متعددة تتعلق بالنزاهة العمومية، لكنه أبرز في المقابل أن التطور الكمي لم يرافقه تحسن نوعي في الأداء الإداري أو في مستوى الثقة بالمؤسسات.
وأوضح أن هذا الوضع يبرز وجود فجوة بين النصوص والممارسات، وبين الالتزامات والتطبيق، مما يفرض تعبئة وطنية أكبر وانخراطًا حقيقيًا من طرف جميع الفاعلين العموميين.
كما نبه بنعليلو إلى أن بعض المجالات ما تزال تعرف ضعفًا في التنفيذ، خاصة ما يتعلق بإعمال القوانين المرتبطة بتضارب المصالح والحق في الحصول على المعلومة، مبرزًا أن “ثقافة الشفافية ما زالت في بداياتها، وأن بعض الإدارات تتعامل مع الحق في المعلومة كاستثناء لا كواجب مؤسساتي”.
وفي هذا السياق، ذكّر بتوجيهات الملك محمد السادس الذي اعتبر أن الفساد ليس مجرد سلوك فردي غير أخلاقي، بل عبء اقتصادي وسياسي يقوّض سيادة القانون ويُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات. وقال بنعليلو: “معركتنا ضد الفساد ليست فقط أخلاقية، بل هي معركة من أجل العدالة الاجتماعية وكرامة المواطن”.
وأضاف أن الهيئة الوطنية للنزاهة ستواصل أداء دورها في الرصد والتقييم والتوجيه، من منطلق الاستقلالية والمسؤولية، مؤكداً أن الإصلاح لا يتحقق بالشعارات ولا بالمزايدات، بل بالالتزام المستمر والمراجعة الدائمة والتعاون بين الدولة والمجتمع.
وختم رئيس الهيئة كلمته بالتأكيد على أن المغرب يتوفر اليوم على إرادة سياسية ورصيد مؤسساتي معتبر يؤهله لأن يكون نموذجًا إقليميًا في ربط النزاهة بالتنمية، مشددًا على أن بناء منظومة النزاهة هو السبيل لضمان ثقة المواطن وترسيخ دولة قوية وشفافة في قراراتها.





تعليقات
0