970*250
Media90|أعمدة الرأي

سحر البيصارة

zakaria 2 cv
300*205

أخيرا كشف لنا النائب البرلماني الحاج محمد السيمو عن سر القوة الناعمة الحقيقية، السلاح الاستراتيجي الذي لا يكلف ميزانية الدولة شيئا. لا يتعلق الأمر بجهود لجان معقدة، بل بطبق البيصارة، فبمجرد أن تذوقه سفير الباراغواي، كما روى لنا البرلماني سيمو، حتى غادر مائدة الغداء ليعلن اعتراف بلاده الفوري بمغربية الصحراء ! يا له من سحر!
البيصارة، أكلة بسطاء الشعب من الفقراء والمياومين والعمال، وسحرها الخفي هو ما يمنحهم القدرة على تحمل أقسى الظروف، تحولت فجأة من رمز للبساطة إلى قوة جيوسياسية خارقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: إذا كان هذا الطبق يمتلك كل هذه القوة السحرية ، فهل يمكن توظيفه في حل مشاكلنا الداخلية؟
وعلى هذا الأساس لا يسعنا سوى توجيه نداء عاجل للنائب البرلماني سيمو أن يغرف فورا من بيصارته الساحرة هذه ويطعم منها فخامة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش. نرجوه أن يقدم له طبقا مضاعفا، عسى أن تنفتح بصيرته وينظر بعين العطف إلى حال الدراويش الذين يكتوون بنار الغلاء الفاحش. غلاء طال المحروقات والبيض. حتى كاد المواطنون يفقدون صوابهم، بينما الحكومة مصابة بالصمم وتتجنب اتخاذ أي إجراءات جدية لتخفيف العبء عنهم.
وبعد إطعام الحكومة، نناشد الحاج سيمو أن يضيف لبيصارته قليلا من زيت الزيتون والفلفل الحار، ويأخذ منها جرعة مركزة إلى قبة البرلمان بغرفتيه. لعل سحرها الفعال يعيد النواب المتغيبين إلى مقاعدهم الشاغرة، ويوقظ ضمائرهم التشريعية الغائبة. عساها تجعلهم يدركون أن دورهم ليس فقط حصد الأصوات والتمتع بالحصانة، بل صناعة قوانين حقيقية تلامس احتياجات المواطن، بدلا من ترك فراغ رقابي وتشريعي هائل ومشاريع قوانين تفتقر لأبسط دراسات الأثر.
وإذا نجحت البيصارة في إيقاظ البرلمان، فإننا نناشد النائب سيمو أن يستضيف في مطبخه رؤساء الجماعات والمنتخبين المحليين. نرجوه أن يسقيهم من هذا الحساء العجيب حتى يمتلئوا حياء ويصلحوا حفر الطرقات التي تحولت إلى أفخاخ بعضها مميت في مدننا. لعلهم بعد تذوقها يكفون جشعهم عن الصفقات العمومية التي تلتهم المال العام وتترك لنا بنية تحتية مهترئة بمثابة دليل ملموس على أن الفساد يبدأ من كل حفرة في الطريق.
يا سيادة النائب السيمو، إننا نحتاج إنتاجا ضخما من بيصارتك الساحرة. نناشدك أن تنتج ما يكفي منها لإصلاح قطاعي الصحة والتعليم، اللذين يعانيان من تأخر مزمن وتهميش للأولويات. نريد بيصارة بجرعة قوية تجبر المسؤولين على إدراك أن الشعوب لا تقاس بعدد المهرجانات، بل بجودة تعليم أبنائها وكرامة مرضاها. ومن يدري، لعل تذوق وزير التعليم العالي لملعقة واحدة من هذا السحر، يجعله يتراجع فورا عن قرار فرض رسوم تثقل كاهل الطلبة الأجراء الحالمين بمتابعة الدراسة.
أخيرا، نناشد السيمو أن يجعل من بيصارته منتجا محليا يرفع منسوب روح المواطنة والضمير المهني لدى جميع المسؤولين والموظفين في الإدارات. فالمشكلة الحقيقية ليست دائما في نقص الميزانيات، بل في غياب الوازع الذاتي. فلا قيمة لسحر البيصارة الذي أقنع سفيرا بعيدا، ما لم يذق الدرويش البيصارة بكرامة في مدينته، فيجد طريقا سالكا، وبرلمانا حاضرا، ومستشفى لائقا، وحكومة تحس بالمواطن الذي تتحمل معدته أطنانا من البيصارة !

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي Media90