ربيع الخليع هو المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، لكنه قد يصلح أيضا عنوانا لتجربة السفر عبر قطارات هذه المؤسسة.
ف”الخلعة”، هي ما ما بات ملازما لركاب السكك الحديدية.. خوف من التأخير، من الحوادث، من غياب السلامة، ومن أن يتحوّل القطار إلى مصيدة موت، كما وقع للدكتور منعم بوبكر.
في واحدة من أبشع صور الإهمال المؤسسي، توفي الدكتور منعم بوبكر بعد أن سقط من قطار يسير بسرعة 160 كلم/ساعة، وارتطم أولا بعمود حديدي تسبب في بتر ذراعه بالكامل، ثم قُذف جسده إلى حافة السكة، حسب ما دونت ابنته حيث بقي هناك ستة أيام متتالية، دون أن تلاحظه لا فرق المراقبة ولا الإدارة، ولا حتى عشرات القطارات التي عبرت المسار.
ولأن الحكاية ليست مجرد حادث فإن تفاصيلها تكشف تقصيرا مزدوجا:
أولا، ليس هناك أي تفقد للركاب، رغم أن تذكرة الضحية كانت لا تزال في جيبه (من مراكش إلى مكناس، الدرجة الأولى).
ثانيا: رفض المكتب الوطني تزويد العائلة بأي معلومة..لا تأكيد أنه صعد، لا وقت مروره بالمحطة، لا مراجعة لكاميرات، لا تنسيق مع الدرك.
ثالثا: حين تم العثور على الجثة، كانت ذراعه المبتورة لا تزال ملقاة بجانب السكة.
من غير المقبول أن تسير القطارات بسرعة فائقة بينما عقل الإدارة ما زال في محطة الأمس.
أين هي أنظمة التتبع؟ أين مراقبة السلامة؟ لماذا تغيب الكاميرات عن العربات؟ لماذا لا يتم عدّ الركاب عند الانطلاق والوصول والأخطر..لماذا هذا الصمت والتجاهل؟
منذ الحادث، لم تصدر المؤسسة أي بيان رسمي. لم تقدم اعتذارا. لم تعلن عن فتح تحقيق داخلي. ولم تُظهر أي بادرة تعاون مع سلطات التحقيق أو مع الأسرة المفجوعة.
ربما يكون اسم “الخليع” قد اقترن في ذهن المغاربة بـ”الخلعة”، لكنه بات اليوم رمزا لحالة الرعب المؤسسي الصامت..مؤسسة عمومية مسؤولة عن أرواح آلاف المواطنين يوميا، لا تملك الحد الأدنى من الكفاءة أو الشفافية أو حتى الحس الإنساني.
ما تطالب به عائلة الدكتور منعم بوبكر ليس فقط كشف الحقيقة، بل مساءلة شاملة لمنظومة تحولت إلى مصدر خطر يومي.
لذلك، يجب أن تشمل المحاسبة..تحقيقا قضائيا نزيها ومستقلا وإعلانا رسميا من المكتب الوطني للسكك الحديدية حول ما جرى والتزاما علنيا بإعادة هيكلة نظام السلامة والمراقبة وتقديرا رمزيا وإنسانيا لعائلة الضحية التي دفعت ثمن الإهمال وحدها..
في دول تحترم نفسها، تُبنى الثقة من خلال المسؤولية والمحاسبة.
وفي بلاد مثل المغرب، حيث تحاول الدولة أن تقدم صورة حديثة، لا يمكن أن تبقى قطارات الخليع تُسافر بسرعة… بينما أرواح المغاربة تُلقى بجانب السكة..





تعليقات
0