970*250
Media90|إفتتاحية

أخنوش.. حين يصبح “البارشوك” هو القصر!!

أخنوش مجلس النواب
300*205

في النظام السياسي المغربي، يُفترض أن يلعب رئيس الحكومة دور “البارشوك”، أي ذلك الصفيح الواقي الذي يمتصّ الغضب الشعبي، ويقي المؤسسات السيادية من الارتدادات الاجتماعية والسياسية. لكن في التجربة المغربية الراهنة، يبدو أن عزيز أخنوش أعاد تعريف هذا المفهوم رأسا على عقب، إذ تحوّل من “بارشوك النظام” إلى من يجعل من المؤسسة الملكية نفسها “بارشوكا له”، يختبئ خلفها كلما ارتفعت حرارة الشارع أو تصاعدت الانتقادات.

منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة التي قادها شباب “جيل Z”، تكشّف العجز الحكومي عن إدارة الموقف، ليس فقط في التواصل، بل في الحضور والجرأة السياسية. فقد آثرت الحكومة الصمت، وكأنها غير معنية بمطالب الشباب الذين خرجوا يطالبون بالكرامة والعدالة الاجتماعية، تاركةً الساحة فارغة ومثقلة بالأسئلة.

وخلال أسابيع من الغليان، ظلّ رئيس الحكومة في الظل، بينما كان الوزراء يختفون خلف بيانات باردة، كما هو حال بيان الأغلبية، بيانات لا تُجيب عن جوهر الأزمة. بدا وكأن الحكومة تُراهن على مرور العاصفة من تلقاء نفسها، قبل أن يأتي التقريع في رسائل واضحة، ليُعيدها إلى الواجهة مُجبرة، لا اختيارا.

كان من المفترض أن تكون هناك علاقة توازن بين المؤسسة الملكية والحكومة المنتخبة، الأولى تُؤطر، والثانية تُنفّذ وتتحمّل المسؤولية السياسية أمام الشعب. غير أن أخنوش، ومنذ توليه رئاسة الحكومة، لم يُبدُ حرصا على هذا التوازن، بل جعل من القصر حصنا يلوذ به كلما ضاق عليه الأفق السياسي أو تصاعد الضغط الشعبي.

ففي الأزمات الكبرى، من غلاء الأسعار، ومن تدهور التعليم والصحة إلى فقدان الثقة في الطبقة السياسية لم يخرج أخنوش ليواجه الرأي العام بخطاب صريح أو خطة واضحة. بل ظلّ يتحدث بلغةٍ تقنية منفصلة عن الواقع، متحصنا بخطاب “الإنجازات الماكرونية” التي لا يلمسها المواطن في حياته اليومية، لكنه لم يكن يجد أي حرج وهو في قبة البرلمان، ليُهدِّد الناس..

احتجاجات “جيل النتائج” أو “جيل Z”، كانت كاشفة، فقد وضعت المرآة أمام حكومة لم تستوعب بعد أن الزمن السياسي تغيّر، وأن الصمت لم يعد سياسة. فهؤلاء الشباب لم يخرجوا ضد المؤسسة الملكية، بل عبّروا عن غضبهم من أداء حكومة غائبة،تُحمّل غيرها تبعات فشلها، وتُخفي عجزها وراء صور الافتتاحات الملكية ومشاريع القصر، ورفعوا أصواتهم عاليا مطالبين بالصحة والتعليم وترتيب الأولويات.

حين صعد عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة، تم تقديمه كرجل المرحلة، القادر على قيادة النموذج التنموي الجديد بثقة وإيقاع مختلف. لكن سرعان ما تبيّن أن الرجل يُجيد إدارة الشركات أكثر من إدارة الأزمات، والحصول على الصفقات، أكثر من خلقها، فأسلوبه البارد والمتحفظ، القائم على الحساب لا السياسة، حوّل الحكومة إلى مجلس إدارة بلا رؤية سياسية.

ما كشفته احتجاجات جيل Z ليس مجرد سخط اجتماعي، بل خلل في منطق الحكم ذاته. ففي الوقت الذي تُنادي فيه المؤسسة الملكية بالإصلاح وتربط الخطاب بالفعل، تختبئ الحكومة وراءها، مفضّلة الصمت على الشجاعة، والعلاقات العامة على السياسة العامة.

وحين يصبح “البارشوك” هو القصر، فالمعادلة مقلوبة تماما، فالدولة تحتاج إلى حكومة تواجه، لا إلى حكومة تتوارى. وإلى رئيس يُصغي ويتفاعل، لا تاجر يُدير البلاد، بمنطق الربح الخاص، لا بمنطق الربح العام، الذي يترك أثره على المغاربة..

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي Media90