970*250
Media90|رئيسية

لوموند: ناصر بوريطة “مهندس” المكاسب الدبلوماسية للمغرب في الصحراء

Turkish Foreign Minister Mevlut Cavusoglu in Morocco
300*205

قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في بورتريه صحافي، إن شهر أكتوبر الماضي، كان مزدهراً بالنسبة لوزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، الذي ظهر يوم الـ20 منه مبتهجاً ومرتدياً بذلة وربطة عنق في مدرجات ملعب خوليو مارتينيز برادانوس قرب سانتياغو في تشيلي، خلال تتويج أشبال الأطلس -المنتخب الوطني لأقل من 20 عاماً- بأول كأس عالم لكرة القدم لهم، على حساب الأرجنتين.

بعد 48 ساعة، استُقبل الفريق بحفاوة بالغة من طرف ولي العهد مولاي الحسن في القصر الملكي بالرباط. وباعتبار أن جزءاً من اللاعبين تدرّبوا داخل المملكة، فإنهم يجسّدون الدبلوماسية الكروية التي يروّج لها العاهل المغربي محمد السادس.

ثم جاء تصويت يوم الـ31 أكتوبر في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، حيث اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا مؤيدا للموقف المغربي،معتبراً أن مقترح الحكم الذاتي الذي قُدم عام 2007 هو “الأساس” للمفاوضات المقبلة حول وضع الإقليم.

اعتبرت “لوموند” أن حلّ النزاع الحدودي بين المملكة وجبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، ما يزال بعيد المنال، فإن العاهل المغربي محمد السادس يرى في هذا القرار “منعطفاً حاسماً”. وقد عبّر عن ارتياحه في خطاب متلفز مساء اليوم نفسه، قبل أن يعلن القصر إقرار عيد وطني جديد في 31 أكتوبر، “عيد الوحدة”.

وفي اليوم التالي، ظهر وزير الخارجية، في خطوة تواصلية نادرة، مبتسماً على قناة 2M المغربية. وخلال مقابلة دامت نحو ساعة، تحدث عن كواليس التصويت، مشيراً إلى التدخل الشخصي للملك. وقال: “لقد اتصل الملك بقادة دول أعضاء في مجلس الأمن خلال الأيام الخمسة أو الستة التي سبقت التصويت”، وكأنه يبتهج خلف نظارته الرقيقة.

محبوب التيار القومي

وباعتبار أن ملف الصحراء هو القضية الأولى في السياسة الخارجية المغربية، تضيف “لوموند”، فإن “منعطف” الـ31 أكتوبر يُعدّ تتويجاً لمسيرة ناصر بوريطة. فقد شغل منصب الكاتب العام لوزارة الخارجية عام 2011، ثم وزيراً منتدباً عام 2016، قبل أن يصبح وزيراً عام 2017. وقد كان الدبلوماسي البالغ من العمر 56 عاماً مشاركاً في كل المناورات الكبرى للنصف الثاني من عهد محمد السادس: عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017؛ التقارب مع الاتحاد الأوروبي عام 2019؛ استئناف العلاقات الرسمية مع إسرائيل عام 2020 مقابل اعتراف الولايات المتحدة بـ“مغربية” الصحراء الغربية.

وقد رفع “وطنيّته” إلى مرتبة المفضّل لدى التيار القومي المعروف باسم “الموريش”. ويستشهد أفراد هذا التيار، الحاضر بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي والمتحسر على “المغرب الإمبراطوري”، ببوريطة مثالاً لبقية الوزراء الذين يُتهمون بالتقصير في خدمة بلدهم. ويُنظر إلى طبعه اللطيف وإدمانه على العمل، بحسب الكثيرين، كصورة للمسؤول المخلص، تتابع “لوموند”.

وتزامن توليه رئاسة وزارة الخارجية عام 2017 مع التحول التكتيكي الذي اعتمدته الرباط في ملف الصحراء الشائك. فقد خرجت المنطقة آنذاك من مرحلة توترات حادة. ففي مارس 2016، طرد المغرب الطاقم المدني لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء بعدما تحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن “احتلال”.

وفي صيف 2016، شهد ناصر بوريطة عن قرب استعراض قوة بين القوات المسلحة الملكية والانفصاليين الصحراويين في منطقة الكركرات، . وتقول مصادر دبلوماسية مغربية إن المغرب كان يُنظر إليه على أنه “الطرف الجيد”، أي الطرف المطيع الذي ينظر إليه شركاؤه بنوع من الاستصغار لاعتباره مرناً. وقد جاء ناصر بوريطة في لحظة أصبحت فيها الرغبة في التخلص من هذه الصورة فعليّة. وقد انعكس هذا التغيير أيضاً في العلاقة مع أوروبا، توضّح “لوموند”.

ورقة الهجرة

في بداية 2016، تواصل “لوموند” قطع المغرب علاقاته مع بروكسل احتجاجاً على قرار محكمة العدل الأوروبية التي ألغت اتفاقاً زراعياً بذريعة أنه يشمل الصحراء. وبعد ثلاثة أسابيع استؤنف التواصل، لكنه فتح “فترة فراغ” حسب تعبير بوريطة عام 2019، استمرت ثلاث سنوات.

وفي الأثناء، شددت الرباط لهجتها. ففي 2019، أكد محمد السادس “الصرامة الشديدة” للمغرب ضد “أي تجاوز قد يمس حقوقه المشروعة”، أي وحدة أراضيه. وازدادت الحدّة عام 2021 مع الأزمات المتتالية مع مدريد وباريس وبرلين.

وبعد الولايات المتحدة، انضمت العواصم الأوروبية الثلاث إلى موقف المغرب، بدرجات متفاوتة، بعدما لم تتردد الرباط، في حالة إسبانيا، في استخدام ورقة الهجرة: ففي شهر مايو عام 2021، عبر آلاف الأشخاص الحدود التي تفصل شمال المغرب عن جيب سبتة. وقد وُجهت انتقادات حادة للدبلوماسية المغربية، ووصفته وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغريتا روبليس، بـ“الابتزاز”.

وتصاعدت مطالب المملكة مجدداً عام 2022، عندما قدم محمد السادس الصحراء  بوصفها “العدسة التي ينظر من خلالها المغرب إلى محيطه الدولي”. وهي رسالة للصرامة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. وعلى ناصر بوريطة أن يجسّد هذا النهج. فهو يُسمَع، لكنه “يبقى صاحب تنفيذ قرارات القصر”، كما تقول دبلوماسية مغربية.

فالسياسة الخارجية للمغرب هي سياسة الملك محمد السادس، الذي يعتمد أيضاً على مستشار في هذا المجال: الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية السابق (2007-2012). ويعرفه بوريطة جيداً إذ كان رئيس ديوانه. ويتحدث الكثيرون عن “ثنائي” يشكّله الرجلان. وقد ظهر الوزير إلى جانبه خلال اجتماع بارز في 10 نوفمبر حول تحضيرات الخطة المغربية الجديدة للحكم الذاتي في الصحراء.

ملف متعدد الأطراف

يُعدّ عهد ناصر بوريطة ثاني أطول ولاية في تاريخ المغرب المستقل. وقد صعد الرجل كل درجات السلك الدبلوماسي دون انتماء حزبي، وهو ما يميّزه عن أسلافه مثل الإسلامي سعد الدين العثماني (2012-2013)، أو الليبرالي صلاح الدين مزوار (2013-2017).

وقد استفاد من قربه من الطيب الفاسي الفهري، ومن كونه دبلوماسياً “متعدد الأطراف” متمرساً بالمنظمات الدولية. فبعد عمله في سفارتي المغرب بفيينا وبروكسل، ثم توليه إدارة قسم الأمم المتحدة بوزارة الخارجية، ثم مديرية التعاون، “يشكل ثنائياً ممتازاً مع عمر هلال [مبعوث المغرب في الأمم المتحدة منذ 2014]”، بحسب ما نقلت “لوموند” عن إحدى المتعاونات.

ويأمل الدبلوماسيون أن يكون بوريطة أكثر من مجرد منفذ. فزيادة ميزانية الدبلوماسية المغربية -التي ارتفعت بنسبة 70% منذ توليه منصبه- تُحسب له، وقد سمحت بافتتاح سفارات في الرأس الأخضر وغامبيا وليسوتو وملاوي وتنزانيا وتوغو وزامبيا. وتعد إفريقيا القارة التي شهدت أكبر عدد من الدول التي أيدت موقف المغرب في الصحراء خلال السنوات الأخيرة، تقول “لوموند”.

ومع ذلك، فإن حصيلته لا تخلو من إخفاقات، وفق الصحيفة الفرنسية؛ حيث إن طلب المغرب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، المقدم عام 2017، ما يزال متجمداً. أما مسار التطبيع مع إسرائيل، الذي يُعتبر الوزير أحد مهندسيه، فقد تضرر من الحرب في غزة.

وبعد استئناف العلاقات الثنائية الرسمية، صرّح ناصر بوريطة لقناة i24News بأن “المغرب يمكن أن يقدم قيمة مضافة لا تقدّر بثمن لجهود السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. لكن هذا كان تفاؤلاً مبالغاً فيه: فحل الدولتين الذي تدعو إليه الرباط يبدو أكثر غموضاً من أي وقت مضى، تقول “لوموند”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي Media90